الحسيني:لنتعلم الصلح من مدرسة الإمام الحسن (ع)
الحسيني:ندعو اخواننا في وزارات الاوقاف و الشٶون الاسلامية أن يبادروا الى عقد مٶتمر واسع للعمل و السعي بإتجاه التأسيس لنزعة الصلح
کثير من الامور و القضايا التأريخية المختلفة التي حدثت تحتاج الى الکثير من المراجعة و التمعن فيها و السعي لإستنباط و إستخلاص الدروس و المعاني المختلفة وبهذا السياق فإن هناك الکثير مما يمکن قوله و البوح به فيما يتعلق بشأن نهج و مسار الامام الحسين"ع"، و التدبر فيه و الاستفادة منه لحل ما نعاني منه و نواجهه من مشاکل و ازمات ذات جذور تأريخية عميقة، ذلك إننا کعرب و مسلمين قد عرفنا الامام الحسين ثائرا مجاهدا من أجل الاصلاح في أمة جده رسول الله"ص"، لکن الکثيرين لم يتسنى لهم التعرف على شقيقه الامام الحسن"ع" کداعية للصلح و السلام و الانتصار لمنطق الحوار و التفاهم و تفضل ذلك على منطق القوة و العنف و إراقة الدماء.
الامام الحسن"ع"، شخصية بارزة في التأريخ الاسلامي و أشهر من نار على علم، خصوصا وانه کان محبوبا و مقربا من جانب جده المصطفى"ص"، وهو الذي وصفه بأنه و أخاه الامام الحسين"ع"،"سيدا شباب أهل الجنة"، إضافة الى قائمة طويلة من الاحاديث الشريفة الاخرى التي وردت بحقه و التي تشير الى مکانته و منزلته على أکثر من صعيد،قال رَسُولُ اللَّهِ ، (صَ)َ : " إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ، وَإِنَّ اللَّهَ يُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَظِيمَتَيْنِ " .
ومن هنا فإن کل ما يصدر عنه له أهميته و قيمته الاعتبارية الخاصة لدى الامة الاسلامية.
الامام الحسن، داعية و مدرسة للصلح و السلام و إصلاح ذات البين و الحيلولة دون إراقة الدماء طالما کان هناك من سبيل عن طريق الحوار و العقل و المنطق، وإننا إذ نستعد لإستقبال الذکرى العطرة للولادة المبارکة له، فإنه من الواجب و المهم جدا أن نشير وفي هذا الظرف و المرحلة الحساسة و الخطيرة التي نمر بها الى دوره المميز في الصلح مع معاوية ابن أبي سفيان والذي جسد أعلى درجات التضحية و الإيثار و لفت الانظار الى الصلح و السلام کنهج حيوي و هام لا بد للأمة الاسلامية من أن تمنحه الکثير من الاهمية.
الصلح الذي عقده الامام الحسن"ع"مع معاوية ابن ابي سفيان، قد سبق ثورة شقيقه الامام الحسين من أجل طلب الاصلاح في أمة جده"ص"، ولذلك يجب الانتباه جيدا الى هذا الدرس و العبرة و التسلسل التأريخي الذي له معناه و قيمته الاعتبارية الخاصة، ذلك إن الامام الحسين لم يخرج ثائرا إلا بعد أن ضاقت به السبل و إنتفت شروط و مستوجبات الصلح و السلام، بمعنى ان الدرس الحسني الکبير و العميق هنا للأمة الاسلامية ککل هو أن الصلح هو الاصل و الاساس و ليس الحرب و القتال و سفك الدماء حيث أن اللجوء للحرب و القتال يأتي بعد أن تنتفي کل الطرق و الوسائل و السبل، وان آخر العلاج الکي، وکل هذا لحقيقة هامة وهي أن للنفس الانسانية حرمتها و إعتبارها الخاص ول ايجب إزهاق الارواح و إراقة الدماء إلا عندما لا يعد هناك من مجال او فرصة للتفاهم و التحاور و التواصل مع الطرف الآخر إلا من خلال لغة العنف و الدماء.
التمعن فيما ورد من آيات کريمة و أحاديث شريفة تٶکد على الصلح و السلام و الامن وفق التعايش السلمي و غض الطرف عن روح الانتقام و القتل و إلحاق الاذى بالآخرين، تبين و بصورة واضحة بأن الامام الحسن قد جسد مواقفه و آرائه طبقا لما طالبت و نصت عليه هذه الايات و الاحاديث، ذلك أن الدين الاسلامي وفي خطه العام يعمل من أجل إحياء النفوس و شحنها بالامل عبر الثقة بالآخرين حيث أن الانسان الذي هو أکرم المخلوقات، جدير بأن يکون"بعد أن تشرف بالاسلام" نموذجيا و مثاليا في تعامله و معايشته مع أقرانه وان يجسد دائما مبادئ الإيثار و التضحية، وان يتذکر دائما أن الکتاب الکريم قد أرشدنا الى"إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون"،او
"وأن تعفوا أقرب للتقوى ولاتنسوا الفضل بينکم"، او"لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما"، أو" والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"أو"ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" أو ماقد ورد عن الرسول الاکرم"ص" :"إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام"،" سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" أو" من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه بعثه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق يختار من الحور العين ما يشاء"، ولهذا، فإنه حري بنا أن نتمعن کثيرا في صلح الامام الحسن و المعاني و العبر الکبيرة التي تتمخض عنها.
اليوم وفي هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها أمتينا العربية و الاسلامية، نجد من المهم جدا الدعوة للتأسي و الإقتداء بسبط الرسول و جنوحه للصلح و عدم تشبثه بموقفه رغم إن موقفه کان من معظم النواحي أقرب للحق لکنه آثر أن يعطي الامة درسا بليغا، ولذلك فحري باخواننا في العروبة و الاسلام في الدول العربية و خصوصا وزارات الاوقاف و الشٶون الاسلامية أن تبادر من أجل عقد مٶتمر واسع للعمل و السعي بإتجاه التأسيس لنزعة الصلح و العمل على غرسها في النفوس و تثبيتها في العقول، لأن دول المنطقة أحوج ما تکون لهذه النزعة الاسلامية الحسنية الخيرة.
العلامة السيد محمد علي الحسيني